رغم التحرك المستعجل لشركة العمران، أمس الأربعاء، لتنقية المياه الراكدة والحفر الملوثة بمحيط المجزرة الجماعية بسيدي بيبي، استجابة لتعليمات من عامل إقليم اشتوكة آيت باها، السيد محمد سالم الصبتي، فإن الكارثة الحقيقية ما تزال قائمة داخل المجزرة. لم يتغير شيء من واقع الخروقات الصحية والبيئية التي وردت في تقرير صادم صادر عن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية التدخلات الجزئية في مواجهة أزمة شاملة.
يؤكد متابعون أن الوضع داخل المجزرة لا يزال على حاله، بل يزداد سوءًا في ظل استمرار نفس الممارسات التي وصفتها التقارير الرسمية بـ “غير الصحية”. فبعيدًا عن الصورة الخارجية النظيفة مؤقتًا، تتكشف حقائق صادمة تهدد صحة المستهلكين:
نقل اللحوم: رحلة التلوث من المجزرة إلى المائدة
تُعد طريقة نقل اللحوم إحدى أبرز هذه الممارسات غير المسؤولة. يتم نقل المنتجات في وسائل غير مؤهلة لا تستجيب للحد الأدنى من معايير الجودة والنظافة. هذا الإهمال يعرض اللحوم للتلوث في كل مراحل السلسلة، من المجزرة وحتى وصولها إلى المستهلك، مما يقوض أي جهود لضمان سلامتها.
غياب النظافة والرقابة: بوابة مفتوحة للفوضى
داخل المجزرة، يغيب التعقيم الكافي لأدوات الذبح، كما لا يتوفر الماء الساخن، مما يحول المرفق إلى بيئة لا تحترم شروط السلامة الصحية الوطنية. الأدهى من ذلك هو عدم حصر الأشخاص العاملين داخل المرفق. لا توجد لائحة رسمية توثق هوية العاملين، ما يفتح الباب أمام العشوائية ويفقد السلطات أي قدرة على التتبع أو المراقبة الدقيقة.
الخطر الخفي: جزارون بدون مؤهلات صحية!
الجانب الأكثر إثارة للقلق هو أن العاملين داخل المجزرة، بمن فيهم الجزارون، لا يتوفرون على بطاقات مهنية، ولا يخضعون لأي فحوصات دورية تُثبت أهليتهم الصحية لمزاولة نشاطهم. هذا الوضع يطرح تساؤلات خطيرة حول سلامة اللحوم التي تخرج من هذا المرفق نحو الأسواق والمستهلكين، فكيف يمكن ضمان سلامة منتج يمر عبر أيدٍ غير معتمدة أو مفحوصة صحيًا؟
فشل البنية التحتية: مجزرة تحولت إلى بؤرة للتلوث
في الوقت الذي سُجل فيه تدخل شركة العمران بشكل إيجابي لتنقية محيط المجزرة، فإن هذا التحرك يبقى محدود الأثر ما دامت البنية الداخلية للمجزرة لم تعرف أي تغيير. فالتقرير البيطري الذي دق ناقوس الخطر لا يزال قائمًا بكل تفاصيله وملاحظاته الثقيلة، التي تلخص وضعًا كارثيًا يستدعي تدخلاً استعجاليًا:
- غير مرتبطة بشبكة التطهير السائل.
- تعتمد على حفرة صرف لا تستوعب حجم النفايات السائلة.
- تفتقر لمرافق خاصة بـعزل الجلود والنفايات الصلبة.
- لا تتوفر على برنامج لمكافحة القوارض والحشرات.
كل هذه العوامل تُحوّل المجزرة إلى بؤرة ملوثة مفتوحة على احتمالات صحية خطيرة، في غياب تام للرقابة الصحية الفعلية.
نداء عاجل: متى تتدخل السلطات لوقف هذا الاستهتار؟
رغم دعوات عامل الإقليم المتكررة لمعالجة الإشكالات البيئية والصحية، فإن الاستجابة لا تزال جزئية، ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، في ظل استمرار الخروقات التي تمس الحق في غذاء سليم وبيئة نظيفة.
يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطنون والمهنيون: إلى متى ستظل اللحوم تُذبح وتُوزع من داخل مرفق لا يحترم الشروط الصحية؟ ومن يضمن سلامة المواطنين في ظل هذا الاستهتار؟
الساكنة المحلية والمهنيون ينتظرون إجراءات عملية لإصلاح ما هو داخل الجدران، وليس فقط تنقية ما حولها. فالصورة الحقيقية لمستوى سلامة المجزرة تبدأ من الداخل… حيث لا تزال الفوضى هي القانون الوحيد.