فضيحة “سكن الفقراء” في أكادير: شبكة فساد تُحرم محدودي الدخل وتُثري المتنفذين

تكشف مدينة أكادير عن وجه قبيح للفساد المستشري، حيث يتعرض برنامج السكن الاجتماعي المخصص لذوي الدخل المحدود – والذي يبلغ سعره 140 ألف درهم فقط – لعملية سطو ممنهجة ومنظمة من قبل شبكة من السماسرة والمنعشين العقاريين، بتواطؤ مع مسؤولين نافذين. هذه الفضيحة لا تحرم آلاف الأسر المستحقة من حقها في سكن كريم، بل تثير تساؤلات خطيرة حول مدى فعالية آليات المراقبة والمساءلة في قطاع حساس كالإسكان.

لقد تحول حلم الحصول على سكن اجتماعي إلى كابوس حقيقي في أكادير. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يوفر هذا البرنامج ملاذاً آمناً للأسر المعوزة، بات مرتعاً لـ”لوبيات” العقار التي تستولي على مئات الشقق في وضح النهار. الأرقام صادمة: أكثر من 500 شقة تم الاستيلاء عليها من قبل شركة عقارية واحدة، و379 شقة أخرى في الحي المحمدي، فضلاً عن 580 شقة لم تتمكن مؤسسة العمران، المعنية بتسيير البرنامج، من استرجاعها رغم لجوئها إلى القضاء منذ سنوات.

ما يزيد الطين بلة هو التواطؤ المكشوف. فالمصادر تؤكد تورط عدد من الأسماء المرتبطة بالبرنامج في توقيع لوائح “معدّة” من قبل المنعشين، مما يشير إلى علاقات مشبوهة تخدم مصالح شخصية على حساب الصالح العام. الأدهى من ذلك، أن مسؤولاً سابقاً في مؤسسة العمران، يُتهم بارتكاب “خروقات بالجملة” وتسهيل عمليات السطو، لا يزال “يسيطر عن بعد على الملفات خوفاً من انفجار القضية”. هذا المسؤول، الذي راكم ثروات طائلة بطرق غير مشروعة، كان يفرض على بعض المنعشين دفع “مليون درهم تحت الطاولة” مقابل تسهيل تنفيذ الاتفاقيات، ليضخ لاحقاً هذه الأموال في حسابات بنكية لأقاربه وشركائه أو يكتنزها نقداً في فيلاته الفاخرة.

المفارقة المؤلمة تكمن في سرعة حصول هؤلاء المنعشين على رخص السكن لمشاريع غير مكتملة، بفضل تسهيلات قدمها قسم التعمير بعمالة أكادير إداوتنان. هذا التواطؤ يضمن لهذه الشبكة تحقيق أرباح طائلة، حيث يتم تفويت الشقق للسماسرة مقابل المبلغ الرسمي (140 ألف درهم) مضافاً إليه “11 مليون سنتيم تحت الطاولة”. إنها معادلة بسيطة: المواطن الفقير يدفع الثمن، بينما يثرى المتنفذون على حسابه.

لقد آن الأوان للسيد والي الجهة، سعيد أمزازي،المعين حديتا للتدخل بحزم وفتح تحقيق في هذه التجاوزات وإجراء تدقيق شامل في ممتلكات الموظفين المعنيين وأسباب تسليم الرخص لهؤلاء المنعشين أصبحت ملحة. ففي ظل حركة انتقالية حديثة في وزارة الداخلية، والتي أسفرت عن تعيين كاتب عام جديد، يقع على عاتق المسؤولين الجدد مسؤولية فتح هذا الملف الشائك ومحاسبة كل من تورط في عمليات السطو.

الرئيس المدير العام لمجموعة العمران، السيد حسني الغزاوي، ينتظر تقريراً مفصلاً حول هذه “العملية الخطيرة”. كما أن السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة الوصية على قطاع الإسكان، لا يمكنها تجاهل هذا الملف الذي يمس شريحة واسعة من المواطنين. ففتح تحقيق دقيق من قبل لجنة مختصة سيكشف حتماً عن المزيد من المخالفات، من رشاوى وإثراء غير مشروع، على حساب أموال الدولة ومصالح المواطنين الذين حُرموا من حقهم في سكن كان من المفترض أن يكون ملاذاً لهم، لا مصدراً لثراء غير مشروع لشبكة من المتنفذين.

إن فضيحة أكادير هي دعوة صريحة لإنهاء زمن الإفلات من العقاب، وإعادة الاعتبار للبرامج الاجتماعية التي وجدت لخدمة الفئات الهشة، لا لتمويل جيوب الفاسدين.

 

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬031