وسائل التواصل الاجتماعي بين ثورة الاتصال وأسلحة التضليل

منذ انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التواصل أسرع وأسهل، مما أتاح للبشرية فرصة غير مسبوقة في حرية التعبير والتفاعل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. إلا أن هذه الثورة الرقمية لم تكن خالية من السلبيات، بل أدت إلى ظهور مشكلات خطيرة، من أبرزها التضليل الإعلامي والتشهير والإشاعات المغرضة، التي باتت تهدد الأفراد والمجتمعات.

الوجه المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي
مع سهولة الوصول إلى الإنترنت، ازدادت حالات استغلال هذه الأدوات لأغراض غير أخلاقية، من بينها نشر الأخبار الكاذبة، والابتزاز، والتشهير بالآخرين، وهي ممارسات أضحت مألوفة في العصر الرقمي. وكما أشار المفكر الفرنسي جاك أتالي في كتابه “تاريخ وسائل الإعلام”، فإن تغريدة واحدة قد تكون كافية لتحطيم سمعة شخص ما على نطاق عالمي، في ظل عدم وجود آليات واضحة للحد من هذه الأفعال.

وفي السياق ذاته، كشف دافيد كولون في كتابه “سادة التضليل” أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة فعالة في التضليل الإعلامي، حيث يتم استخدامها من قبل جهات سياسية واقتصادية لتحقيق أهداف معينة، تمامًا كما حدث في الانتخابات الأمريكية عام 2016، حين تم استغلال المعلومات المضللة في الصراع بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

غياب الرقابة وتنامي النفوذ الرقمي
تواجه المجتمعات اليوم معضلة كبرى تتجلى في استغلال منصات التواصل الاجتماعي لتحقيق أرباح ضخمة دون توفير آليات فعالة لمراقبة المحتوى الضار. فكما يشير دافيد كولون، فإن هذه المنصات أصبحت بمثابة “أسلحة دمار شامل”، لكنها لا تخضع للقيود التي تفرض على الأسلحة التقليدية. وبذلك، أصبحت الجماهير عُرضة لحملات دعائية منظمة يقودها محترفون في فن التأثير النفسي وتوجيه الرأي العام، كما هو الحال مع مارك زوكيربيرغ، مالك “فيسبوك”، الذي وُصف بأنه أحد الشخصيات المؤثرة في مجال التضليل الإعلامي.

التضليل الإعلامي.. خطر يهدد جميع المجتمعات
لم يعد التضليل الإعلامي مقتصرًا على دول بعينها، بل أصبح ظاهرة عالمية تتأثر بها جميع المجتمعات. حيث تنشط مجموعات منظمة وأفراد مستقلون في نشر الدعاية الكاذبة، إما لأغراض سياسية، أو لتحقيق مكاسب مالية، أو حتى بدافع الترفيه والإثارة. وفي ظل غياب قوانين رادعة، تزداد خطورة هذه الظاهرة مع مرور الوقت.

نحو تقنين وسائل التواصل الاجتماعي
دعا العديد من المفكرين إلى وضع ضوابط قانونية لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لضمان حرية التعبير في إطار يحترم حقوق الآخرين. وكان الفيلسوف كارل بوبر قد أكد في كتابه “خلاصة القرن” على ضرورة تطبيق القوانين لحماية المجتمعات، وخاصة الأطفال، من المحتوى الضار، مشددًا على أهمية تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحقوق الأفراد.

لا شك أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قدمت فوائد هائلة للعالم، لكنها في الوقت ذاته أفرزت تحديات كبيرة تتطلب معالجتها بحلول فعالة. فبدون تنظيم ورقابة مسؤولة، قد تتحول هذه المنصات إلى أدوات تدمير اجتماعي، بدلاً من أن تكون فضاءً للحرية والتواصل البنّاء. وبالتالي، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الثورة الرقمية، مع الحد من مخاطرها المتزايدة.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬243

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *