الرأي24
خلال محاولة فاشلة لاختراق الجدار الأمني المغربي، فجر الأربعاء 10 فبراير الجاري، بمنطقة “وين تركت”، وقعت وحدة من القوات الخاصة لـ “بوليساريو” في مرمى نيران القوات المغربية، التي أصابتها إصابة مباشرة أسفرت عن مقتل أربعة عناصر وجرح ثلاثة آخرين، تم نقلهم من قبل أفراد الناحية الرابعة، الموجودة ببلدة “ميجك” إلى الرابوني، حيث تم دفن الأموات، أما الجرحى فقد تم الاحتفاظ بهم بمستشفى تندوف العسكري.
غير أن ما لفت انتباه سكان المخيم هي التركيبة البشرية للوحدة المستهدفة والمكونة من بتاح ولد حمدي ولد لبليل، وهو ذراع سفير “بوليساريو” في الجزائر عبد القادر الطالب عمر، وواحد من القلائل بين أبناء قبيلة أولاد دليم الذين استطاعوا التسلل للعمق الأزوادي وإنشاء شبكة علاقات مع الحركة العربية الأزوادية، التي أرسلت عناصر نوعية للانضمام إلى الجبهة نهاية نونبر الماضي، وكذلك من شقيق الكوري، السائق الشخصي لمدير أمن الجبهة السابق إبراهيم أحمد محمود بيد الله الملقب بكريكاو، والذي كان هو الآخر في مهمة جلب طوارق من النيجر، كانوا ضمن مليشيات خميس القذافي بليبيا، بينما أحد القتلى الأزواد في العملية نفسها، كان متدربا بمدرسة تكوين الكومندوس بولاية المدية الجزائرية، وتخرج منها منذ أسبوعين فقط قبل أن يقتل على مشارف الجدار الأمني برفقة رفيقه الآخر في التدريب حرطن ولد الحبيب ولد البشير.
هذه العملية كشفت عن العلاقة الوطيدة والتنسيق القائم بين أجهزة أمن الجبهة وبعض أذرع المخابرات الجزائرية في الساحل كالطوارق العرب وأنصار الشريعة وألوية المختار بلمختار، وغيرها من الكيانات الإرهابية التي كشفت الوثائق والأدلة الميدانية أنها مجرد دمى جزائرية تحركها ضمن خطة محكمة لخدمة أجندتها المغاربية والإفريقية، شأنها في ذلك شأن جبهة “بوليساريو”، التي تنتقي من بين منتسبيها أفرادا تزرعهم ضمن هذه الجماعات التي يندمجون داخلها بكل سهولة، نظرا لتقارب العادات الاجتماعية واللغة بين سكان منطقة الساحل والصحراويين، ليتحولوا إلى عملاء وجواسيس لأجهزة الاستعلامات الجزائرية التي تؤمن لهم المحروقات وأجهزة “الثوريا” غير المسجلة ووسائل اتصال حديثة تمكنهم من تنفيذ مهامهم على طول بؤر التوتر بهذه المنطقة الرمادية.
إن علاقة “بوليساريو” بالإرهاب ليست وليدة اليوم، بل هي ضاربة في تاريخ هذه الجماعات منذ وصولها لمنطقة الساحل مع نهاية القرن الماضي، حيث عمدت الجزائر إلى تحويل المخيمات إلى خزان بشري لهؤلاء المتطرفين ومركزا لوجستيا لإمدادهم بالوقود المهرب من تندوف على مرأى ومسمع من حرس الحدود الجزائري، إذ تحولت منطقة البريقة، التي لا تبعد عن الثكنة 23 لصواريخ الدفاع الجوي الجزائري، سوى بخمسة كيلومترات، إلى شريان حياة لتغذية هذه الجماعات و ضمان استمرارها من خلال ضمان نصيبها من المساعدات الإنسانية التي يتم تهريبها خارج المخيم بترخيص جزائري.
يأتي كل هذا في وقت تعيش فيه المخيمات حالة من الارتباك غير المسبوق بسبب الصراع الدائرة رحاه بين أجنحة “بوليساريو” الداخلية واحتجاز زعيم الجبهة داخل الرابوني من قبل ضباط سكتور تندوف، ومنع العديد من القيادات من لقائه، ما سبب له تذمرا واضحا، إذ ظهر أثناء كلمته في القمة الإفريقية الأخيرة على غير عادته والتعب والإرهاق باديان عليه، وحتى لباسه للدراعة عوض اللباس العسكري لم يكن متناسقا مع ما تدعيه الحركة من خروج من مسلسل السلام، وهو الأمر الذي اعتبره البعض رسالة واضحة عن الوضعية التي يوجد عليها زعيم الرابواني المسلوب الإرادة من قبل جنيرالات الجزائر، الذين يديرون المخيم حسب هواهم، بعدما اتخذوا من المستشفى الميداني، الذي أعلن تبون عن فتحه نهاية ابريل الماضي لمساعدة الصحراوين ضد وباء كورونا، مقرا لتسيير شؤون المخيمات، في ظل هذه الظرفية المعقدة، بعدما توقف مكتب التنسيق العسكري بتندوف عن إصدار تراخيص الخروج من المخيم منذ مطلع هذا الشهر، تماشيا مع ما أسماه حالة الطوارئ التي ستترتب عنها المزيد من إجراءات خنق الصحراويين، موازاة مع المخاض العسير الذي تعرفه المؤسسة العسكرية الجزائرية، واستمرار الاحتقان داخل جبهة البوليساريو والعزلة التي بات يعاني منها إبراهيم غالي كبير الانفصاليين. عن جريدة الصباح