الرأي24
في سياق تاريخي وسياسي مخصوص جاء إعلان جلالة الملك محمد السادس نصره الله غداة تسلمه مقاليد الحكم نهاية التسعينات عن تبني مفهوم جديد للسلطة ، إيذانا ببدء مرحلة انتقال ديمقراطي، سمته الأساسية القطع مع المفاهيم والممارسات السلطوية السابقة ، سواء تلك المتصلة بإدارة الشأن العام أو المحلي، وقد جاء هذا المفهوم ليترجم حاجة تاريخية واجتماعية ملحة للإصلاح، بهدف وضع البلاد على سكة النماء والتطور في إطار دولة الحق والقانون. وعلاوة على هذا المفهوم اغتنى المعجم السياسي المغربي بجملة مفاهيم جديدة نظير مفهوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، ومفهوم الإنصاف والمصالحة، ومفهوم القرب والتخليق والجهوية المتقدمة…الخ. وهي مفاهيم تتساوق نظريا في التطلع إلى بناء مجتمع حداثي في ظل عهد ملكي جديد.
وإذا كان تقييم هذه التجربة الجديدة يتباين حسب الأشخاص والمواقع، فان أغلب الفاعلين في المجال السياسي اطمأنوا إلى هذه الدينامية الجديدة التي نجحت في خلق وتجديد أوصال الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، مع تسجيل بعض الحالات الشاذة التي لم تساير التوجهات المعلن عنها، والتي لم يستوعب أصحابها شروط الزمن السياسي الجديد،فقد شهدت مدينة اكادير يوم الاربعاء الماضي خلال الوقفة السلمية التي نضمها مجموعة من المواطنين ضد “اجبارية التلقيح”تجاوزات خطيرة وشططا في استعمال السلطة كان بطلها رجل سلطة.
ونبه فاعلون جمعويون وحقوقيون رجل السلطة بأنه من اللازم احترام قانون الحريات العامة، والذي يتضمن المساطر والإجراءات التي يجب التقيد والالتزام بها ليكون التدخل سليما من الناحية القانونية، لكن السيد القائد كان له رأي آخر، حيث بدل أن يمتثل للقانون ـ الذي يعلو على الجميع ـ صرخ في وجه المحتجين بشكل فض: “أنا هو القانون”.
ونحيل السيد القائد على مقتطف من خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش : “وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش”. ما يجب أن يفهم أن الأمر هو القيام بالواجب قبل أن يضيف جلالته: “والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون”. هنا نجد الخلل حيث إن الذي من واجبه أن يسائل ويحاسب ويضبط ويراقب ويسهر على تطبيق القانون استقال من مهمته هذه. لذا عاد جلالته ليؤكد ذلك قائلا: “هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها”
فهل نفهم من تصرف السيد القائد أن سلطته مطلقة وغير خاضعة للرقابة؟ وما مبرر ما أقدم عليه في ظل دستور يقرن المسؤولية بالمحاسبة؟