بين فقر الأمهات وتقاعس الدولة.. أطفال سوس في حضانات “غير آمنة”

بينما تتجه الأنظار نحو تداعيات الفاجعة التي ألمّت بمدينة طنجة إثر وفاة رضيعة داخل حضانة غير مؤهلة – بعد تركها تحت رعاية طفلة في الثامنة من عمرها – فإن هذه المأساة لا تعدو كونها “جرس إنذار وطني” يتردد صداه بقوة في مناطق أخرى بالمغرب، خاصة في محيط أكادير حيث تتكدس المعامل وتتزايد أعداد العاملات الزراعيات.

تشهد سهول سوس والنواحي المحيطة بأكادير كثافة غير مسبوقة في توظيف اليد العاملة النسائية في القطاع الفلاحي والصناعي، مما يخلق طلباً هائلاً ومتنامياً على خدمات رعاية الطفولة المبكرة (الحضانات). وفي ظل هذا الضغط، يخشى المراقبون أن تكون حضانات المنطقة بيئة خصبة لتكرار سيناريوهات الإهمال والتقصير التي كشف عنها حادث طنجة.

 العاملات الزراعيات وحضانات “الظل”
تضطر آلاف الأمهات العاملات، خاصة في الضيعات الفلاحية والمعامل، إلى إيداع أطفالهن الرضع والصغار في حضانات قريبة، وغالباً ما تكون هذه المؤسسات منشآت “ظل” تعمل بعيداً عن أعين الرقابة.

الضغط الاقتصادي: يدفع العاملات إلى اختيار الحضانات الأرخص والأقرب، دون التأكد من تراخيصها أو كفاءة كوادرها.

غياب البدائل: هناك نقص حاد في الحضانات المرخصة والمهيأة بشكل كافٍ لاستقبال أعداد الأبناء المتزايدة.

خطر التكرار: في ظل ضعف الرقابة على تطبيق القانون 40.04 والمرسوم التطبيقي الخاص بدور الحضانة، قد تكون هذه المؤسسات غير المرخصة أشبه بـ “قنابل موقوتة” تهدد سلامة الأطفال في غياب تأطير مهني حقيقي.

 الأزمة تتجاوز الإهمال الجنائي.. مسألة تنظيم ومسؤولية دولة
الأزمة ليست مجرد واقعة جنائية معزولة، بل هي انعكاس مباشر لهشاشة الإطار المؤسساتي والتنظيمي.كما أن ضعف الرقابة وتعدد المتدخلين يجعل النصوص القانونية بلا أثر واقعي. ومأساة طنجة تندرج ضمن القتل غير العمد الناتج عن الإهمال.

إن إسناد رعاية الأطفال الرضع لـ “مربيات غير مؤهلات” أو حتى لـ “أطفال” كما حدث في طنجة، هو انتهاك خطير لقواعد السلامة والرعاية، كما تصفه المنظمات الحقوقية مثل “ما تقيش ولدي”. وتتحمل السلطات الوصية مسؤولية تنامي هذه الظاهرة في سوس وباقي المدن، حيث تعمل حضانات كثيرة دون تراخيص أو في فضاءات غير ملائمة.

 مطلوب قاعدة بيانات وطنية وتوعية للأسر
تبرز الحاجة الملحة إلى قاعدة بيانات وطنية واضحة توضح للمواطنين المؤسسات القانونية والمرخصة لرعاية الطفولة، إذ لا يزال اختيار الحضانة يتم بناءً على القرب أو السمعة، لا الوضع الإداري والمهني. كما تتحمل الأسر جزءاً من المسؤولية لعدم مطالبتها بوثائق الترخيص والتأمين.

إن كارثة طنجة هي صرخة تستدعي اليقظة في سوس والمناطق الصناعية والفلاحية المجاورة لأكادير. لا يمكن التعامل مع الحضانة كـ “مشروع ربحي” فقط، بل كمؤسسة اجتماعية أساسية يجب أن تخضع لمعايير صارمة تضمن حق الطفل في الأمان والرعاية. يجب على السلطات التدخل العاجل لتشديد المراقبة على جميع الحضانات في المنطقة، خاصة تلك التي تستقطب أبناء العاملات، لضمان ألا تتحول ضرورة العمل إلى خطر يهدد حياة الأبناء.

الأخبار ذات الصلة

1 من 858