لم يكن أمام المحققين، من خيار، سوى البحث عن وسائل إثبات في حق متهم قتل ابن زوجته ذا السنتين والنصف دون شفقة ولا رحمة. المتهم ارتكب جريمته الشنعاء، وانتقل بمعية الطفل وأمه إلى المستشفى، غير أنه اثناء الاستماع إليه أنكر تعريضه إلى الضرب والجرح، مدعيا سقوطه العرضي، في محاولة يائسة للتملص من المسؤولية الجنائية.
ولأن المحققين كانوا يدركون أن إصرار المتهم على الإنكار، مقابل تصريحات الزوجة بمسؤوليته في وفاة ابنها، لا يمكن أن يقوم حجة في قضية جنائية، لذلك كان تمشيط مسرح الجريمة، ومواجهة المتهم بنتائج ذلك، سبيلا وحيدا عجل بسقوطه، والتراجع عن إنكاره…
نسرين شابة في مقتبل العمر، تبلغ اليوم 23 سنة، خاضت غمار تجربة زواج أول خلال 2019، بالمدعو “س.ق” المتحدر من الصويرية القديمة، حيث رزقت منه بمولود اختارا له من الأسماء محمد، لكن هذا الزواج لم يدم طويلا، بسبب مشاكل عائلية، إذ تم تطليقها للشقاق سنة 2022، مع منحها حضانة ابنها.
زواج للهروب من نظرة المجتمع
مباشرة بعد انتهاء العدة، تزوجت نسرين مرة ثانية، من المسمى “ع.س” المزداد سنة 1994 بأهل لغلام بالبرنوصي بالبيضاء.
لم تكن نسرين تعرف الكثير عن زوجها الجديد، عبد القادر الذي نشأ في ظروف صعبة، وانقطع عن السلك الدراسي في مستوى الخامس ابتدائي، وولج ميدان الشغل وهو طفل، إذ مارس مهنة لحام، ثم عمل في عدة أنشطة فلاحية.
كما تعاطى عبد القادر للاتجار في المخدرات، وأدين بعد ذلك، ثم اعتقل من أجل السرقة الموصوفة، وغادر السجن بعد قضائه سنة ونصف حبسا نافذا، ومباشرة بعد ذلك تزوج بنسرين.
هذا الزواج، كان باقتراح من امرأة تعرف أسرة نسرين، وفي الآن ذاته والدة “عبد القادر”.
لم تتردد نسرين في قبول هذا الزواج، دون قيد أو شرط، وذلك هروبا من نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، خصوصا بمناطق محافظة كمنطقة الشياضمة.
تؤكد نسرين في معرض تصريحاتها المضمنة في محضر الضابطة القضائية، أن زوجها كان يعاملها وطفلها معاملة حسنة، لكن بعد مرور الوقت تغيرت سلوكاته تجاههما، حيث أصبح يعاملهما بالقسوة وبالعنف.
ورغم أن مدة الزواج لم تدم سوى ستة أشهر، فإن نسرين بسبب ما لاحظته من سلوكات غير سوية تصدر عن زوجها، اختارت الصمت، نظرا لأنها حامل في شهرها الثالث.
بأي ذنب قتل محمد؟
في يوم الحادث الذي صادف سابع ماي الماضي، كانت نسرين رفقة زوجها وابنها بمدينة البيضاء، حيث قضوا مدة أربعة أيام لدى أسرة الزوج، وأثناء عودتهم على متن الحافلة، لاحظت أن زوجها يتناول الأقراص المهلوسة، وكان في حالة غير عادية.
وبعد الوصول إلى المنزل، الكائن بدوار الكويعة جماعة سيدي علي الكراتي قيادة أقرمود بإقليم الصويرة حوالي الساعة الثالثة عصرا، غادر المنزل، ولم يعد إليه إلا بعد أن أرخى الليل سدوله، وكان في حالة سكر طافح، وبحوزته قنينة من سعة نصف لتر من مسكر ماء الحياة، إذ توجه نحو الطفل الذي كان نائما ودهسه برجليه، حتى استفاق من نومه مفزوعا وهو يصرخ باكيا، بعد ذلك قام المتهم بإسكاته بالقوة والعنف، إذ قام بإدخال أصابع يديه داخل فم الطفل، قبل أن يوجه له لكمة إلى فكه السفلي، ثم قام بضرب رأس الطفل مع الحائط حتى سال الدم من فمه، حيث حاولت الأم التدخل غير أن الزوج كان في حالة هستيرية ومنعها من إنقاذ الطفل من قبضته.
ولم يتوقف هذا الوحش الآدمي، عند هذا الحد، بل عمد إلى سكب مسكر ماء الحياة في فم الطفل البريء.
ولم تنف الأم أن زوجها، ضرب رأس الابن مع الحائط عدة مرات، إذ كانت تتابع مسلسل قتل ابنها بطريقة بشعة أمام عينيها وكان يهددها إن هي حاولت التدخل.
خارت قوى الابن، وخرجت الأم تبحث عن سيارة إسعاف، ولم يجد المتهم أي حرج في مصاحبتها على متنها نحو المستشفى الإقليمي بالصويرة، وظل يردد أن الابن سقط من السطح.
عاين الطبيب حالة الطفل، فتبين له أنه فقد الحياة، ليشعر عناصر الشرطة القضائية التي انتقلت إلى المستشفى، وأخبرت عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بالصويرة، المختصة ترابيا.
الإصرار على الإنكار
حضرت فرقة من الدرك الملكي، وعاينت جثة الطفل الضحية، التي كانت تحمل كدمات زرقاء اللون وجروحا بادية على الجثة، سيما في الوجه والرأس، ووجود جرح غائر في الجهة الخلفية للرأس، وفي خصيتيه.
تم الاستماع إلى الأم التي أكدت واقعة الاعتداء، وتم الاحتفاظ بالمتهم رهن الحراسة النظرية، إلى حين استعادته وعيه، نظرا لأنه كان في حالة سكر وتحت تأثير أقراص الهلوسة.
عند الاستماع إلى المتهم، نفى المنسوب إليه، وبدا مستغربا لتصريحات زوجته، مؤكدا رواية مخالفة لما روته زوجته للمحققين.
المتهم، بدا كذلك متأثرا لوفاة الطفل، وظل يردد “السجن أهون علي من فقدان الابن محمد”، مؤكدا أنه كان يعتبره ابنه من صلبه، ويعامله معاملة حسنة.
وأكد أنه بعد عودته وزوجته والطفل الضحية من الدار البيضاء، غادر المنزل لتفقد رؤوس ماشيته وتقديم الكلأ لها، وأنه بعدما كان بالقرب من المنزل، سمع صراخا صادرا من المنزل، وعند ولوجه وجد الطفل ممددا على ظهره، بعدما تعرض لسقوط عرضي من سطح المنزل، تعرض إثرها لكدمات وجروح، وفقد الوعي، إذ سكب عليه عدة قارورات ماء وحاول إنقاذه، قبل أن يطلب من زوجته إحضار سيارة الإسعاف، وتكفل هو بنقله إليها، غير أنه بعد الوصول إلى المستشفى اكتشف أن الطفل فقد حياته.
مسرح الجريمة
رغم كل محاولات المحققين لانتزاع اعتراف من المتهم، بدا مصرا على تصريحاته، لتكون وجهة عناصر الدرك الملكي نحو مسرح الجريمة، إذ تم حجز بقع دم بحصير بداخل غرفة المنزل، ثم بقع أخرى في الغرفة التي ينام عادة بها الطفل الضحية، وبقع أخرى بباب خشبي.
وتمت مواجهة المتهم بهذه المعطيات، إذ طلب فريق المحققين من المتهم تبرير وجود بقع الدم في كل هذه الفضاءات، في حين أنه يؤكد السقوط العرضي من سطح داخل فناء المنزل.
ولم يجد المتهم، أي تبرير يقدمه للمحققين، وبدت روايته مضطربة، ولا تستند إلى منطق، ما جعله يتراجع عن إنكاره، ويؤكد واقعة ضربه الطفل، تحت مبرر كثرة صراخه في المنزل.
وتم تقديم المتهم أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، الذي قرر متابعته من أجل الضرب والجرح العمديين المفضيين إلى الموت، والسكر العلني واستهلاك المخدرات وأقراص الهلوسة.