مرة أخرى، يجد الإعلام الجهوي بجهة سوس ماسة نفسه خارج الحسابات، بعدما تم إقصاء صحفيي الجهة من الاعتمادات الرسمية لتغطية نهائيات كأس إفريقيا للأمم. قرار لم يكن صادماً في حد ذاته بقدر ما كان كاشفاً لواقع مأزوم، عنوانه العريض: التمييز، والانتهازية، وسوء تدبير العلاقة بين مسؤولي الرياضة والإعلام المحلي.
ففي الوقت الذي لا يتردد فيه بعض مسؤولي الشأن الرياضي بالجهة في استغلال المنابر الإعلامية المحلية للترويج لأنشطتهم، أو لتلميع صورهم الحزبية والشخصية، خاصة خلال الفترات الانتخابية أو عند تدبير ملفات ذات طابع سياسي، سرعان ما يتنكر هؤلاء لنفس الإعلام حين يتعلق الأمر بمصلحته المهنية أو بحقوقه المشروعة. يتحول الصحفي من “شريك” إلى “عبء”، ومن “وسيط تواصلي” إلى اسم غير مرغوب فيه، إلا إذا كان من دائرة ضيقة من “المحظوظين” الذين يحظون بالامتيازات والاعتمادات.
الإعلام الجهوي بسوس ماسة يعاني منذ سنوات من ضعف بنيوي واضح، نتيجة غياب دعم مالي حقيقي، وشح الإشهار العمومي، وتفضيل واضح للمنابر المركزية كلما تعلق الأمر بتظاهرات كبرى، سواء كانت رياضية أو اقتصادية أو ثقافية. ورغم أن هذه المنابر الجهوية هي الأقرب لنبض الشارع المحلي، والأقدر على تسويق صورة الجهة بعمق وصدق، إلا أنها تظل الحلقة الأضعف في معادلة التواصل الرسمي.
إقصاء صحفيي سوس ماسة من تغطية “الكان” لم يكن مجرد خطأ إداري أو سوء تقدير عابر، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التهميش الممنهج. وهو إقصاء يطرح علامات استفهام حقيقية حول معايير منح الاعتمادات، وحول الجهات التي تتحكم فيها، وحول من يقرر من “يستحق” أن يكون شاهداً على حدث قاري ومن يجب أن يظل في الهامش.
اللافت في هذا السياق، أن عدداً من مسؤولي الرياضة بالجهة يحرصون على الظهور الإعلامي المكثف عندما يتعلق الأمر بأنشطة ذات طابع استعراضي أو سياسي، ويستفيدون من تغطيات الصحافة الجهوية دون حرج أو مقابل، لكنهم يختفون أو يلوذون بالصمت عندما يُطرح ملف دعم الإعلام، أو إشراكه في التظاهرات الكبرى، أو الدفاع عن حقه في الولوج المتكافئ للمعلومة والاعتماد.
هذا السلوك يعمّق فجوة الثقة بين الصحفيين المحليين والمؤسسات المشرفة على الشأن الرياضي، ويُفرغ شعارات “الشراكة” و“التواصل” من محتواها الحقيقي. كما يحرم الجهة من إشعاع إعلامي كان من الممكن أن يساهم في تعزيز صورتها وطنياً وقارياً، خاصة في حدث بحجم كأس إفريقيا للأمم.
الأخطر من ذلك، هو الأثر النفسي والمعنوي على الصحفيين الشباب، الذين يرون في مثل هذه المناسبات فرصة لاكتساب الخبرة، وإبراز الكفاءة، والانخراط في دينامية مهنية حقيقية، قبل أن يصطدموا بجدار الإقصاء والانتقائية.
إن الحديث عن الجهوية المتقدمة لا يمكن أن يستقيم دون إعلام جهوي قوي، مستقل، ومحترم. وإقصاء صحفيي سوس ماسة من اعتمادات “الكان” ليس سوى مرآة تعكس أزمة أعمق في تدبير العلاقة بين الرياضة والإعلام، حيث تُستعمل المنابر حين تخدم الأجندات، وتُهمَّش حين تطالب بحقوقها.
فالإعلام الجهوي ليس ديكوراً ولا صوتاً ثانوياً، بل ركيزة أساسية في التنمية والديمقراطية المحلية. وأي مشروع رياضي أو تنموي يُقصيه، محكوم عليه بأن يبقى ناقصاً، مهما كثرت الشعارات وكبرت التظاهرات.













