انطلقت في إقليم تارودانت، القلب النابض للتنوع المغربي، دينامية تنموية كبرى تهدف إلى رسم ملامح “جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة”، وذلك تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الواردة في خطاب العرش وخطاب افتتاح البرلمان لعام 2025.
جاء هذا التحول الطموح خلال اللقاء التشاوري الذي افتتحه السيد مبروك تابت، عامل إقليم تارودانت، بحضور كثيف لمختلف الفاعلين المحليين والمنتخبين وممثلي المجتمع المدني والإعلام، مشدداً على أن هذا البرنامج التنموي ليس مجرد خطة عمل، بل هو “عقد ثقة بين الدولة والمجتمع”.
الرؤية الملكية: العدالة المجالية محور التنمية
استهل العامل كلمته بالتأكيد على أن اللقاء يندرج في سياق وطني استثنائي، تزامن مع القرار الأممي الأخير الذي كرس مصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، وإقرار “عيد الوحدة” في 31 أكتوبر من كل عام. لينتقل بعدها إلى صلب الموضوع، وهو الدعوة الملكية إلى إرساء نموذج تنموي جديد قوامه العدالة المجالية والاجتماعية، وقطع الصلة مع مفهوم “المغرب بسرعتين”، بما يجعل الإنسان محور وغايَة التنمية.
كما شدد على أن التوجيهات الملكية دعت إلى:
دعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية.
تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية (التربية والصحة).
اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية.
إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج.
من الإنجاز المادي إلى “منطق الأثر التنموي”
أوضح السيد العامل أن برامج التنمية الترابية المندمجة تمثل قطيعة مع المقاربات التقليدية، حيث انتقل الإقليم من “منطق الإنجاز المادي للمشاريع إلى منطق الأثر التنموي”. النجاح اليوم يُقاس بمدى تحسين جودة حياة المواطن، والقدرة على خلق فرص الشغل، وتثمين الموارد المحلية.
كما نوه إلى أن هذا الجيل الجديد من البرامج يرتكز على:
الإنصات للمواطن والمقاربة التشاركية.
المنهجية التصاعدية، بجعل المستوى المحلي أساس اتخاذ القرار.
ثقافة النتائج بناءً على معطيات ميدانية دقيقة.
تارودانت: غنى المؤهلات وتحديات الإكراهات
أكد مبروك تابت أن إقليم تارودانت، بكونه الإقليم الأكبر من حيث عدد الجماعات، يمثل مرآة لتنوع المملكة وغناها، مستعرضاً أبرز مؤهلاته: الفلاحية الهامة، السياحية المتنوعة (الجبلية، الروحية، الثقافية)، الرصيد التاريخي والمعماري الغني، والثروة المعدنية المهمة.
ومع ذلك، أشار إلى أن الإقليم يواجه تحديات كبرى يجب استحضارها في البرنامج الجديد، أبرزها:
ندرة المياه بفعل الجفاف وتداعيات التغيرات المناخية.
محدودية فرص الشغل الملائمة لتطلعات الشباب والنساء.
الخصاص في الخدمات الصحية والتعليمية وتأهيل البنيات التحتية القروية.
الطريق إلى الأمام: الاستهداف الدقيق وتضافر الجهود
للتغلب على هذه التحديات، دعا عامل الإقليم إلى ضرورة اعتماد منهجية علمية لترتيب الأولويات، ترتكز على معايير أساسية هي الاستعجالية، الوقع المباشر، وضمان الاستدامة. مؤكداً على أهمية الاستهداف الدقيق الذي يجب أن يكون:
قطاعياً: بالتركيز على التشغيل، التعليم، الصحة، الماء، والتأهيل الترابي المندمج.
مجالياً: بتحديد المجالات الأكثر هشاشة لتقليص الفوارق.
اجتماعياً: بإعطاء الأولوية للفئات الفقيرة والهشة.
وكشف السيد العامل أن الإقليم انخرط منذ شهر غشت 2025 في إحداث أجهزة الحكامة وعقد سلسلة مكثفة من اللقاءات التشاورية بلغت أربعة عشرة لقاءاً إقليمياً وما يفوق ثلاثين لقاءاً محلياً، وذلك لتحيين التشخيص الترابي وضمان انطلاق البرنامج على معطيات واقعية.
واختتم كلمته بدعوة صريحة لجميع الفاعلين – المنتخب، الإدارة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص – إلى مضاعفة الجهود وترسيخ ثقافة العمل التشاركي والنجاعة في التنفيذ والمتابعة، مشيراً إلى أن نجاح هذا الورش الملكي يقتضي التملك الفعلي لكل كلمة وردت في الخطب الملكية.
ويستمر مسلسل التشاور بتنظيم خمس ورشات موضوعاتية على مدى اليومين التاليين، للتعمق في محاور الخدمات الصحية، التربية والتكوين، التدبير المستدام للموارد المائية، التأهيل الترابي المندمج، وإنعاش الشغل.
إن إقليم تارودانت، حسب عامل الإقليم، يتطلع إلى أن يكون “نموذجاً في تنزيل التوجيهات الملكية السامية ومختبراً لنجاح التنمية الترابية المندمجة”، برنامجاً “واقعياً في تصوراته، قابلاً للتنفيذ في مشاريعه، منصفاً في توزيعه الترابي، ومندمجاً في أهدافه”.
A.Boutbaoucht












