مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يعود النقاش العمومي بقوة حول واقع الممارسة السياسية بالمغرب، وحول الحاجة الملحّة إلى تجديد النخب السياسية التي أصبحت في كثير من الجماعات والمجالس والمؤسسات المنتخبة جزءاً من المشهد أكثر مما هي فاعل فيه. نقاش تتقاطع فيه الدعوات إلى إصلاح القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، مع مطالب شعبية تدعو إلى إقرار آليات تضمن تناوباً حقيقياً على المسؤولية، بعيداً عن منطق الريع السياسي والتوريث العائلي للمناصب.
ترشيحات متكررة.. ووجوه لا تغادر المشهد
من أبرز الملاحظات التي تطبع المشهد الانتخابي المغربي منذ عقود، استمرار نفس الوجوه في الترشح وتصدر المشهد، رغم ضعف حصيلتها التنموية وغياب أي أثر ملموس على أرض الواقع. في عدد من الجماعات الترابية – خاصة بجهة سوس ماسة – نرى منتخبين يترشحون لدورات انتخابية متتالية دون أن يتركوا بصمة واضحة، وكأن المناصب أضحت امتيازاً شخصياً لا تكليفاً لخدمة الصالح العام.
ولعلّ أحد أهم المقترحات التي باتت ملحّة اليوم هو أن تصدر وزارة الداخلية قراراً يقضي بمنع الترشح لأكثر من ولايتين متتاليتين في نفس المنصب، سواء تعلق الأمر برئاسة جماعة أو عضوية مجلس إقليمي أو برلماني. مثل هذا الإجراء من شأنه أن يضخ دماء جديدة في الحياة السياسية، ويكسر حالة الجمود التي تعرفها بعض المجالس التي تحولت إلى فضاءات مغلقة تدور في فلك نفس الأشخاص لعقود طويلة.
توريث سياسي مرفوض
الأمر لا يتوقف عند تكرار الترشح فحسب، بل يتعداه إلى ظاهرة أخرى لا تقل خطورة، وهي توريث المناصب السياسية. ففي الوقت الذي يمنع فيه القانون بعض الأشخاص من الترشح لأسباب قضائية أو مسطرية، نجدهم يدخلون إلى الساحة من “باب خلفي”، عبر ترشيح أبنائهم أو أقاربهم بنفس الدائرة أو الحزب، وكأن العمل السياسي إرث عائلي لا مشروع خدمة عامة. هذه الممارسات تشوه صورة الديمقراطية وتغذي الإحباط الشعبي من جدوى الانتخابات.
زعماء أحزاب بلا تجديد ولا حصيلة
ولا يمكن الحديث عن أزمة الترشحات دون الإشارة إلى الجمود القيادي داخل عدد من الأحزاب السياسية. فبعض الزعماء عمروا على رأس أحزابهم لعقود دون أن يقدموا رؤية جديدة أو نتائج تذكر، مكتفين بإعادة إنتاج نفس الخطاب والشخصيات والآليات. النتيجة: عزوف انتخابي، تراجع ثقة المواطن، وتآكل الرصيد النضالي لتلك الأحزاب. إن تجديد القيادة الحزبية ضرورة وطنية لا مجرد خيار تنظيمي، لأن فاقد التجديد لا يمكن أن يقدم تنمية حقيقية أو إصلاحاً فعلياً.
سوس ماسة.. الحاجة إلى وجوه جديدة
في جهة سوس ماسة، تبرز بوضوح هذه الإشكالية. فعدد من المنتخبين المحليين والجهويين استمروا لسنوات طويلة دون أن يقدموا حصيلة مشرفة. في المقابل، تزخر الجهة بكفاءات شابة وطاقات فاعلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص، قادرة على تقديم إضافة نوعية في التدبير المحلي لو فُتح لها المجال.
إن استمرار نفس الوجوه يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويجعلها مجرد عملية شكلية لتجديد المقاعد، لا لتجديد الدماء والأفكار.
نحو انتخابات نزيهة ومنصفة
حتى تمر الانتخابات المقبلة في أجواء من الشفافية والمصداقية، لا بد من:
مراجعة القوانين الانتخابية لتحديد عدد الولايات الممكنة في كل منصب.
منع الترشح باسم الأقارب في نفس الدائرة لتفادي التوريث السياسي المقنّع.
ربط التزكيات الحزبية بالتقييم الموضوعي للحصيلة لا بالولاء أو النفوذ.
تحفيز مشاركة الكفاءات الشابة والنساء في الترشحات عبر دعم فعلي لا شكلي.
تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة بعد الانتخابات لضمان ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتجديد النخب وتطوير الأداء السياسي. أما حين تتحول إلى إعادة إنتاج للوجوه نفسها والخيارات ذاتها، فإنها تفقد معناها الديمقراطي. إن المطلوب اليوم ليس فقط صناديق اقتراع نزيهة، بل عقول وضمائر جديدة تحمل همّ التنمية والعدالة المجالية، لا من يبحث عن المناصب والمصالح.
فالمغرب الجديد الذي ينادي به الجميع، لا يمكن أن يُبنى بنفس الأدوات القديمة، بل بقيادات جديدة تفكر وتعمل بروح وطنية صادقة، من أجل تنمية تُنصف المواطن لا السياسي.
A.Bout











