شهد ميناء أكادير بالأمس، السبت، حدثًا ذا دلالة عميقة يبعث على التفاؤل، تمثل في استلام 70 حافلة جديدة. هذه الخطوة تأتي في صلب تفعيل البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029، مؤذنة ببدء تحول نوعي مرتقب في شرايين المدينة. إنها إشارة واضحة على أن حاضرة أكادير الكبير قد رفعت التحدي، لتكون في طليعة المدن المستفيدة من هذا البرنامج الوطني الطموح، الذي يهدف إلى توفير وسائل نقل حضري لائقة تواكب تطلعات المواطنين.
هذا التحول، الذي سيكتمل بوصول 247 حافلة في المجموع لأكادير الكبير، ليُضاف إلى مشروع الحافلات ذات المستوى العالي من الخدمة (BHNS)، يجسد رؤية وطنية لترسيخ حكامة جديدة للتنقل المستدام، تنسجم تمامًا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تنمية شاملة. برنامج وطني بتكلفة 11 مليار درهم، بتمويل مشترك بين وزارة الداخلية، ووزارة الاقتصاد والمالية، والجهات الاثني عشر، يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع.
بين التحول والمساءلة: من المسؤول عن الإغراق؟
في خضم هذا التفاؤل المشروع، لا يمكن للذاكرة أن تتجاهل صفحات الماضي القريب. فبينما تتسابق اليوم “شركة التنمية المحلية أكادير الكبير للنقل والتنقلات الحضرية” (التي أشار إليها المدير جمال بركاش) لتدبير هذا القطاع الحيوي وإخراجه من عنق الزجاجة، لا بد من التنبيه إلى أولئك الذين تسببوا في إفلاس شركة النقل الحضري بأكادير السابقة. إن التحول الناجح لا ينبغي أن يطوي صفحة الإخفاق دون مساءلة أو استخلاص للدروس.
إن هيئة مؤسسية بحجم شركة التنمية المحلية، المسؤولة اليوم عن تدبير هذا المرفق العام، يجب أن يوضع على رأس إدارتها من يمتلك الرؤية والنزاهة لينهض بالقطاع، وليس من لديه استعداد لـإغراقه كما حدث سابقًا. إن المال العام، وتطلعات المواطنين، ليستا حقلاً للتجريب أو التساهل مع سوء التدبير. فمن أداروا الظهر للمسؤولية حتى تفاقمت الأزمة، يجب أن يكونوا أول من يتلقى رسالة هذا التغيير: العهد الجديد لا يقبل التهاون في إدارة مصالح المواطنين.
تهميش المنتخب: خطر على الديمقراطية المحلية
في سياق الحكامة الجديدة، يبرز تساؤل مهم حول دور المنتخبين. إن تهميش المنتخب، أي ممثل المواطنين الشرعي، في تدبير شؤون مدينته وشركاتها التنموية، لن يخدم الديمقراطية في بلادنا. الديمقراطية المحلية تستوجب إشراك الفعاليات المنتخبة في صلب القرار، لضمان الشرعية التمثيلية والمحاسبة الشعبية.
صحيح أن شركة التنمية المحلية هي هيئة تنفيذية، لكن تغييب الجماعات المعنية أو المنتخبين عن آليات الرقابة والمشاركة الفعالة في التخطيط الاستراتيجي، يمثل إضعافاً لمسار اللامركزية والجهوية المتقدمة. النجاح الحقيقي لهذا البرنامج الوطني لن يتحقق فقط بالحافلات الفاخرة، بل بتجسيد حكامة تشاركية تضع المنتخب، كممثل للمواطن، في قلب العملية، ليتحمل مسؤوليته كاملة وليراقب أداء من يُعهد إليهم بتدبير الشأن العام.
إن أكادير اليوم على أعتاب مرحلة جديدة واعدة في قطاع النقل. هي فرصة لا تعوض لفتح صفحة من الإنجاز والشفافية. لكن يجب أن نتذكر دائماً أن جودة المستقبل تُبنى على مساءلة الماضي، وتعزيز مبادئ الديمقراطية التشاركية، لضمان أن يكون هذا القطاع الحيوي في أيد أمينة تنهض به، لا تغرقه.
imane ayad












