التحول الطاقي في المغرب.. رؤية استباقية نحو الحياد الكربوني في أفق 2050

يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة دينامية متسارعة في مجال التحول الطاقي، مدفوعا برؤية استراتيجية تهدف إلى ضمان أمنه الطاقي وتقليص اعتماده على المصادر الأحفورية، في أفق تحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2050. هذا التحول لا يقتصر على إنتاج الطاقات المتجددة فحسب، بل يشمل إعادة هيكلة شاملة للنظام الطاقي الوطني في اتجاه الاستدامة والنجاعة والابتكار.

منذ إطلاق الإستراتيجية الوطنية للطاقة سنة 2009، وضع المغرب نصب عينيه هدفا طموحا يتمثل في رفع حصة الطاقات المتجددة في المزيج الكهربائي الوطني إلى أكثر من 52 في المائة بحلول سنة 2030، وهي نسبة تؤهله ليكون من الدول الرائدة في هذا المجال على الصعيدين الإقليمي والقاري.

وقد نجح في تطوير مشاريع كبرى في الطاقة الشمسية والريحية، مثل مركب نور بورزازات الذي يعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، ومزارع الرياح في طرفاية والعيون وطنجة، إلى جانب مشاريع أخرى قيد الإنجاز في مجالات التخزين والربط الكهربائي.

تتجه السياسة الطاقية المغربية اليوم نحو مقاربة متكاملة، تضع ضمن أولوياتها تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاندماج الإقليمي عبر ربط الشبكات الكهربائية مع أوروبا وإفريقيا. كما يعمل المغرب على تطوير صناعة محلية للطاقات المتجددة، بما في ذلك تصنيع المكونات والتجهيزات الخاصة بالألواح الشمسية والتوربينات الهوائية، وهو ما يساهم في خلق فرص شغل جديدة وتحفيز الابتكار الصناعي.

في أفق 2050، يسعى المغرب إلى بلوغ مرحلة متقدمة من الحياد الكربوني عبر تطوير الهيدروجين الأخضر باعتباره ركيزة أساسية في الجيل الجديد من الطاقات النظيفة. وقد تم إطلاق “الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر” التي تراهن على جعل المملكة منصة إقليمية لإنتاج وتصدير هذه المادة الحيوية نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية. هذا التوجه يعزز مكانة المغرب كشريك طاقي موثوق في زمن الانتقال العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.

ورغم هذه المكاسب، فإن الطريق نحو تحول طاقي شامل يواجه تحديات متعددة، من بينها ضرورة تعبئة التمويلات الكافية، وتطوير البنيات التحتية للنقل والتخزين، وتحديث الإطار القانوني والمؤسساتي. كما أن التحول الطاقي لا يقتصر على البعد التقني، بل يتطلب انخراطاً مجتمعياً واسعاً من خلال ترسيخ ثقافة النجاعة الطاقية وتغيير أنماط الاستهلاك نحو سلوك أكثر استدامة.

إن المغرب، برؤيته الاستباقية وموقعه الجغرافي المتميز وإرادته السياسية القوية، يسير بخطى واثقة نحو مستقبل طاقي نظيف ومندمج. فالأفق الذي ترسمه رؤية 2050 ليس مجرد انتقال في مصادر الطاقة، بل هو مشروع حضاري متكامل يربط بين التنمية والبيئة والعدالة المناخية، ويجعل من المغرب نموذجاً في التوازن بين الطموح الاقتصادي والمسؤولية البيئية في القارة الإفريقية والعالم العربي.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 683

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *