تحولت مشاريع التنمية، التي طالما انتظرها سكان مدينة أيت ملول كبارقة أمل لتحسين واقعهم المعيشي، إلى كابوس يلاحقهم يومياً. فبعد أن كانت الأشغال الجارية لتقوية صبيب المياه، والتي تنفذها الشركة الجهوية متعددة الخدمات (SRM) “الرامسا سايقا”، محط ترحيب شعبي، انقلب هذا الترحيب إلى غضب واسع وسخط شعبي متزايد. مشروع كلف خزينة الدولة أكثر من 3.5 مليار سنتيم، لكنه بدل أن يحل المشاكل، زادها تعقيداً وأثقل كاهل المواطنين.
في كل زقاق وشارع، تتجسد علامات فشل هذا المشروع بوضوح مؤلم. فالشوارع محفرة، والأزقة مدمرة، والبنية التحتية للمدينة تعاني من إهمال غير مسبوق. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوز كل التوقعات ليؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، من خلال مشاكل في الصرف الصحي، وفيضانات متكررة، وروائح كريهة تملأ الأجواء. وكأن هذا لا يكفي، جاءت فواتير الماء والكهرباء لتزيد الطين بلة، مرتفعة بشكل غير منطقي، لتثقل كاهل الأسر وتزيد من معاناتها المادية.
السكان، الذين عبروا عن استيائهم الشديد، وصفوا هذه الأشغال بـ”العبث والتلاعب بالمال العام”، مؤكدين أن ما يحدث ليس سوى استمرار لنهج قديم قائم على غياب الرقابة وعدم احترام دفتر التحملات. والمفارقة هنا، أن بعض السكان اضطروا لإصلاح القنوات المعطلة على نفقتهم الخاصة، وهو ما يعكس حجم التقصير واللامبالاة من الجهات المسؤولة.
اللوم هنا لا يقع فقط على الشركة المنفذة، بل يمتد ليشمل أيضاً الجماعة والجهات الرقابية التي يفترض بها أن تكون حامية للمال العام ومسؤولة عن ضمان جودة المشاريع. هذا التقصير في أداء الواجب، أدى إلى نتائج وخيمة لا تضر فقط بالبنية التحتية، بل تزيد من حالة فقدان الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم المنتخبة.
هذه التجربة المريرة في أيت ملول ليست مجرد قصة فشل مشروع، بل هي مؤشر على أزمة أعمق. أزمة ثقة وتنمية حقيقية. ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن مغرب الغد، عن التنمية المستدامة والعيش الكريم، نجد أن مشاريع حيوية بهذا الحجم تتحول إلى مجرد حفر وتلاعبات. كما قال أحد المنتخبين، “الكرامة والحق في العيش الكريم” يجب أن يكونا في صلب أي مشروع تنموي، لا أن يتم استغلالهما لأغراض أخرى.
إن الوضع في أيت ملول يتطلب تدخلاً عاجلاً من السلطات الوصية، ليس فقط لإصلاح ما أفسده المشروع، بل لفتح تحقيق شامل ومحاسبة كل من تسبب في هذه الفوضى. فالمواطنون ينتظرون إجراءات حقيقية، لا وعوداً فارغة، تعيد لهم الأمل في أن التنمية ليست مجرد شعار، بل حق يكفله لهم القانون.