في زمن يفضل فيه بعض المنتخبين الأضواء الكاذبة والمظاهر الفارغة، مستنزفين أموالاً طائلة في مهرجانات صاخبة لا تسمن ولا تغني من جوع، تبرز تجربة فريدة من نوعها في إقليم اشتوكة آيت باها. فبينما يرى البعض في المهرجانات فرصة للتغطية على فشلهم في التنمية، يختار المجلس الجماعي لآيت باها السير عكس التيار، مؤكداً أن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، وبالتحديد في أجيال المستقبل.
لقد ضرب رئيس هذه الجماعة مثلاً يحتذى به، عندما قرر توجيه الدعم المالي واللوجستي نحو مشروع أكثر أهمية واستدامة: المخيمات الصيفية للطفولة البهوية. هذه الخطوة ليست مجرد مبادرة عابرة، بل هي انعكاس لإيمان عميق بأن بناء المستقبل يبدأ من تكوين وتأطير الأطفال، فهم الثروة الحقيقية التي لا تقدر بثمن.
على مدار شهري يوليوز وغشت 2025، وفي عز لهيب الصيف، تحولت آيت باها إلى خلية نحل تنبض بالحياة والنشاط. وبدلاً من أصوات الموسيقى الصاخبة التي تملأ الساحات، علت ضحكات الأطفال وفرحتهم. فقد تمكنت جهود مشتركة بين الجمعيات المحلية النشطة، والمكتب الجماعي للخدمات الاجتماعية، والفضاء البلدي للثقافة والفنون، من تنظيم سلسلة من التظاهرات التربوية والترفيهية التي استهدفت 192 طفلاً وطفلة.
شملت هذه الأنشطة محطات متنوعة ومدروسة بعناية، من ملتقى الطفل الذي نظمته جمعية الجيل الجديد، مروراً بالمخيم الحضري والمخيم القار بمركز التخييم بالصويرة الذي نظمته جمعية شغف، وصولاً إلى مبادرة تكريمية فريدة من نوعها: مخيم للمتفوقين دراسياً بمدينة أكادير، نظمته المنظمة المغربية للطفولة والشباب والتنمية المستدامة. هذه الأخيرة، خطوة استثنائية تؤكد أن الاستثمار في النجاح الدراسي هو جزء لا يتجزأ من رؤية المجلس التنموية.
إن نجاح هذه المبادرة لم يكن ليتحقق لولا تضافر جهود كل الأطراف، من الجمعيات الشريكة، والأطر الإدارية والتربوية المتطوعة، إلى كل “جنود الخفاء” الذين عملوا بصمت لإدخال البهجة على قلوب الأطفال وأسرهم.
يبعث هذا النموذج رسالة قوية وواضحة: التنمية الحقيقية لا تقاس بعدد المهرجانات التي يتم تنظيمها، بل بقدرة المسؤول على الاستثمار في أثمن ما يملك المجتمع: الإنسان. إن ما قام به المجلس الجماعي لآيت باها هو درس في المسؤولية والحكمة، يؤكد أن بناء جيل واعٍ ومثقف هو أفضل استثمار يمكن لأي مسؤول أن يقدمه لمجتمعه.