في مشهد يختزل مفارقات الوعي الجمعي المغربي، وربما يكشف أولوياتنا المقلوبة، لاحظنا في الأيام الأخيرة ضجّة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرجات إعلامية متعددة، وتنديدات جمعوية وحقوقية بسبب صفعة تلقاها رجل سلطة من طرف رجل إمرأة خلال تدخل ميداني. صفعةٌ واحدة كانت كفيلة بإشعال نيران الغضب، وتحريك الأقلام والتصريحات، وفتح نقاشات حول تجاوز المواطن وكرامة رجال السلطة، وهو أمر مشروع بلا شك، لكن المثير للدهشة أن كل هذا الحراك لم يُسجَّل — ولو بجزء منه — عندما تعرّضت أستاذة بريئة لاعتداء بشع، وُجهت إليها بأداة حادة داخل مؤسسة تعليمية، في جريمة تقشعر لها الأبدان، وتكشف حجم العنف الذي صار يهدد المدرسة العمومية ورجال ونساء التعليم.
فأين اختفى هذا الحماس الحقوقي حين سُفكت دماء أستاذة داخل فضاء يُفترض أن يكون آمنا؟ أين كانت بيانات الغضب ومقالات الرأي حين طُعنت كرامة المعلم والمعلمة في الصميم؟ أليس من المقلق أن يُصبح الاعتداء على رجل سلطة أكثر إثارة للجدل من الاعتداء على مربّي الأجيال؟ أليس من المؤلم أن تثير “الصفعة” تعاطفًا وطنيًا أكثر من “الضربة القاتلة”؟!
لسنا هنا لتبرير الصفعات، ولا لتمجيد العنف من أي جهة أتى، بل للوقوف على تناقض فجّ في تعامل المجتمع مع أحداث متقاربة من حيث الطابع المأساوي، لكنها متباعدة تمامًا من حيث صدى الاهتمام الشعبي والإعلامي.
هذا التفاوت في ردود الفعل ليس بريئًا، بل يكشف خللًا أعمق في نظرتنا للمؤسسة التعليمية، وللمربي بشكل عام. الأستاذ، الذي كان بالأمس رمزًا للهيبة والاحترام، أصبح اليوم هدفًا للعنف اللفظي والجسدي، في ظل صمت رسمي ومجتمعي مريب، واستهانة قاتلة بالخطر المحدق بالمدرسة العمومية.
إن إعادة ترتيب الأولويات في وعينا الجماعي باتت ضرورة وطنية. لا يمكننا أن نتغاضى عن المأساة الحقيقية التي تعيشها المدرسة، مقابل المبالغة في تأويل مشهد عابر فيه عنف، نعم، لكنه لم يكن دمويا، ولم يُزهق روحًا بريئة.
ربما حان الوقت لنطرح السؤال المؤلم:
هل نحن مجتمع ينتفض فقط حين يُصفع، ويصمت حين يُقتل؟
A.Boutba