تقارير تكشف تورط جنوب إفريقيا في عملية تمويل الجماعات المتطرفة

قالت خبيرة مكافحة الإرهاب جاسمين أوبرمان لوكالة فرانس برس إن “جنوب إفريقيا أرض خصبة مفتوحة” حيث أن الممولين الإسلاميين يجمعون الأموال في هذا البلد وينقلونها إلى “أيادي الإرهاب”، مضيفة أنه بات معروفًا دوليا “أننا أصبحنا مركزا” لذلك التمويل.

هذا اتهام صارخ لبلد بالكاد يُرصد على لوائح الأنشطة المتطرفة في العالم، باستثناء بعض التحذيرات الصادرة هنا وهناك عن السفارة الأميركية. لكن العديد من المحللين في مختلف أنحاء إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة يتفقون مع تقييم أوبرمان.

وصدرت أولى إشارات التحذير العام الماضي عندما فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على عدد من مواطني جنوب إفريقيا اتهمتم بالانتماء لإحدى خلايا تنظيم الدولة الإسلامية.

وتقول واشنطن إن المجموعة سهلت نقل أموال لفروع لتنظيم الدولة الإسلامية في أنحاء إفريقيا.

وقالت وزارة الخزانة في نوفمبر إن المجموعة “وفرت دعما تقنيا وماليا أو ماديا للجماعة الإرهابية”.

ويرى بعض المحللين إن تمويل منظمات جهادية انتعش لأن سلطات دولة جنوب إفريقيا ارتضت بعدم وجود نشاط إسلامي ظاهر في البلاد.

وقال مدير مركز مشروع مكافحة الإرهاب هانس-ياكوب شيندلر لوكالة فرانس برس: “لا أعتقد أن جنوب إفريقيا أدركت ذلك. وكان الأميركيون من قالوا لهم: هناك شيء غير سوي يجري في بلدكم”. وأضاف “الحكومة برمتها تتحمل الآن المسؤولية”.

وظهرت أولى المؤشرات على وجود مشكلة ما في مارس هذا العام عندما قامت “مجموعة العمل المالي” (FATF) وهي منظمة عالمية مقرها باريس لمراقبة التحويلات المالية غير الشرعية، تهدف لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بوضع دولة جنوب إفريقيا على”قائمتها الرمادية” التي ترصد ثغرات في مراقبة ووقف أنشطة مالية غير مشروعة.

وسمحت ظروف مختلفة، منها نظام مالي متساهل وحدود يسهل اختراقها وفساد وانتشار الجريمة، بجعل جنوب إفريقيا أرضا خصبة يجمع فيها متطرفون التمويل، وفق خبراء.

ويأتي كثير من المال من عصابات الجريمة المنظمة التي تجمع الأموال عن طريق تهريب المخدرات والمعادن الثمينة إضافة إلى الخطف مقابل فدية.

كما تنتشر عمليات الابتزاز عن طريق حسابات وهمية على موقع تيندر للتعارف، بغية الإيقاع بضحايا.

وازدادت حالات الخطف بمقدار الضعف مسجلة 4000 حالة بين يوليو وسبتمبر العام الماضي، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، على ما تظهر إحصاءات الشرطة.

وقالت أوبرمان إن “الجريمة المنظمة تنتشر أيضا” في جنوب إفريقيا. ولتفادي رصدها، تنقل الأموال إلى خلايا إسلامية في أنحاء القارة في تحويلات صغيرة لا تثير الشكوك.

وتم تحويل 6,3 مليار راند (342 مليون دولار) من جنوب إفريقيا إلى كينيا والصومال ونيجيريا وبنغلادش عن طريق تحويلات بالهاتف باستخدام قرابة 57,000 شريحة هاتف غير مسجلة بين 2020 و2021، بحسب تحقيق أجرته صحيفة صنداي تايمز الأسبوعية الجنوب إفريقية.

كما يُستخدم لإرسال المال نظام “حوالة”، وهو نظام غير رسمي للدفع قائم على الثقة ورصده أصعب بكثير مقارنة بالحوالات المصرفية.

وبعض الأموال المرسلة للخارج موجهة حقا لمساعدة أقارب، ولا تُعرف بالتحديد المبالغ التي يجمعها الجهاديون. لكن الخبراء يعتقدون إن الجهاديين يجمعون “أكثر مما يحتاجون له من الأموال”.

وتظهر وثائق داخلية لتنظيم الدولة الإسلامية اطلع عليها خبراء أن من الأموال التي جُمعت في القارة، يحتفظ فرع التنظيم في الصومال ب50 بالمائة، فيما يتم تقاسم 25 بالمائة بين خليتي موزمبيق وجمهورية الكونغو الديموقراطية والباقي يذهب إلى مركز التنظيم.

وأحد المشتبه بهم على قائمة الولايات المتحدة هو زعيم خلية تنظيم الدولة الإسلامية فرهد هومر (47 عاما) ومقره في دوربان، وفرضت عليه العام الماضي عقوبات “لدوره المحوري المتزايد في تسهيل نقل أموال من رأس هرم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلى فروع في أنحاء إفريقيا”.

ونفى هومر أن يكون زعيم خلية للتنظيم المتطرف وقال لفرانس برس في اتصال هاتفي من دوربان إنه “تفاجأ” بالعقوبات. وأضاف “أنتظر الإثبات. مضى عام بانتظار الاثبات”.

اعتقلت شرطة جنوب إفريقيا هومر في 2018 بتهمة التخطيط لنشر عبوات حارقة قرب مساجد ومحلات بيع. ووجهت له الشرطة عشرات الاتهامات التي أُسقطت فيما بعد.

وقال الزميل في المركز الدولي لدراسة التطرف تور هامينغ لوكالة فرانس برس، إن المتورطين في تمويل الجهاديين “شخصيات متطرفة معروفة من جنوب إفريقيا تنشط في دوائر التطرف منذ عدد من السنوات”. وأضاف أن الجهاديين يستفيدون من “هياكل مالية مفتوحة”.

وقال مارتن إيوي، منسق مرصد الجريمة المنظمة الإقليمي لدى معهد الدراسات الأمنية ومقره بريتوريا، إن عددًا من الأفراد يخضعون حاليًا للتحقيق فيما يقوم المحققون “بنبش” قضايا تعود إلى عام 2017.

وأضاف إيوي لفرانس برس إن “الإرهابيين استغلوا الطبيعة الديموقراطية للبلد … لاستخدامه كمركز لجمع التمويل” وموارد أخرى.

وفي مذكرة حديثة خلص مركز صوفان للاستخبارات والأمن ومقره الولايات المتحدة إلى أن جنوب إفريقيا “باتت مركزا ماليا لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا”.

وقال مركز صوفان إن خلايا مقرها في جنوب إفريقيا تدعم “العمل الميداني” لتنظيم الدولة الإسلامية “على نطاق أوسع”.

ويأتي الكشف عن هذه الوقائع في وقت أصبحت القارة بشكل متزايد مكانا مفضلا للتنظيم الجهادي بعد خسارته “الخلافة” في 2019 عقب تدخل عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا.

وشهد تنظيم الدولة الإسلامية أبرز صعود مؤخرا في إفريقيا، مع تمركزه في منطقة الساحل وصولا إلى بحيرة تشاد وحتى الكونغو الديموقراطية وموزمبيق والصومال.

وقال شيندلر إن “في السنوات الخمس الماضية تزايدت أهمية إفريقيا نفسها بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية”.

لكن دور دولة جنوب إفريقيا في الإرهاب الدولي يرجع لأكثر من عقد، بحسب ريان كامينغز المحلل لدى مؤسسة سيغنال ريسك للاستشارة الأمنية ومقرها كيب تاون.

وقال إن جنوب إفريقيا “اعتبرت مركزا ماليا لمجموعات متطرفة منذ فترة” لافتا إلى أدلة استخبارات تشير إلى أن حركة الشباب الصومالية المرتبطة بالقاعدة، استخدمت جنوب إفريقيا لتحويل أموال بعد الهجوم على مركز ويست غيت التجاري في العاصمة الكينية في 2013.

وهناك تقارير عن “زيادة حجم الأموال … المتدفقة من جنوب إفريقيا” إلى موزمبيق والمجموعة المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في الكونغو الديموقراطية، وفق كامينغز.

تكثف جنوب إفريقيا الآن جهودها للخروج من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF).

وتم تسريع العديد من التشريعات في البرلمان في الأشهر الأخيرة لا سيما التشريع المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في 19 مايو أبلغت وزيرة الأمن خومبودزو نتشافيني المشرعين أن مكتبها، إلى جانب الهيئات الأخرى، “سيواصل تطوير وتنفيذ … إجراءات لضمان عدم استخدام أراضي جنوب إفريقيا لتخطيط وتسهيل وتنفيذ أعمال إرهابية، والحصول على أموال ونقلها وتخزينها واستخدامها لدعم الإرهاب”.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬205