صـنـاعـة الـتـفـاهـة على مواقع التواصل الاجتماعي…الـجـمـهــور لـيــس بـريـئـاً

الرأي24/جميلة التازي

هل تشكل ظاهرة انتشار التفاهة على وسائل التواصل الاجتماعي، خطراً على ثقافة المجتمع؟ وكيف سينعكس هذا المحتوى على الأطفال؟ وما ستزرعه فيهم من تسطيح التفكير وضحالة الثقافة واستساغة التفاهة؟

إذا ما انطلقنا من مقولة الفيلسوف والكاتب الأمريكي جورج سانتايانا “حب الشهرة أعلى درجات التفاهة” فقد نختصر نصف الحديث والتحليل في موضة الإعلام الجديد “التفاهة” والتي جمعت مؤخراً المال إضافة إلى الشهرة.

ربما لا يخلو مجلس هذه الأيام من الحديث عن انتشار التفاهة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن التفاهة باتت هي المحتوى الملك، ولا أقصد هنا القيمة وإنما القصد “أعداد المتابعين والمتفاعلين “، وهو ما يسمى الجمهور.

التفاهة أو صناعة المحتوى التافه، ليس مرتبطاً باليوتيوبرز فقط كما يتكلم الغالبية، وإنما يشمل كل محتوى لا يحمل قيمة للمتلقي ككثير من منشورات وإشاعات الفيس بوك وتويتر، والعناوين الكاذبة والفضائح للمواقع والمدونات، والمحتوى الهابط للمحطات والمسلسلات، كلها باتت تندرج تحت المحتوى التافه.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسياستها في السماح لكل المشتركين بنشر ما يريدون دون معايير أو شروط، حولت ما كنا نستهجنه ونسميه ” التفاهة ” إلى صناعة محتوى عنها، وتسربها إلى هذه المواقع رويداً رويداً وثم تحولها إلى ظاهرة “عولمية”، مدفوعة بحب الشهرة والمال لتسيطر مؤخراً على ساحة هذه الوسائل الاجتماعية، وتحوّل المزاح إلى صناعة محتوى وفق قوالب انتشرت كمشاركة الحياة الشخصية اليومية العديمة الفائدة، والمزاح الثقيل والمقالب، والتعرض للأديان والكلام البذيء، أو حتى المهاترات الشخصية بين صانعي محتوى بات أغلبهم لا يتجاوز العشرين من عمره.

دور الجمهور

بالعودة إلى نقطة الفيصل بالموضوع والجانب الأهم للظاهرة وهم الجمهور، هذا الجمهور الذي غالباً ما نجده ينتقد هذا المحتوى هو نفسه المتابع له والذي أوصل التفاعل للملايين؛ فهذا التفاعل هو العامل الأساسي في استمرار أي محتوى، إذ من خلال أعداد المشاهدات والمتفاعلين يتحقق الدخل المادي لهذه المقاطع وكذلك شهرة أصحابها.

يخطئ الكثير بالظن حينما يفصلون هذا المحتوى عن الاهتمام الجماهيري، وأن الجمهور ضحية هذا المحتوى، فعند نشر هذا المحتوى على أي وسيلة من الإعلام الجديد، تبدأ خوارزميات هذه المواقع بالعمل عليه، حيث يتم تصنيفه انطلاقاً من عدد المشاهدين والمتفاعلين معه، بأزرار المشاركة والإعجاب، وحتى عدم الإعجاب، إلى أن يعتبر هذا المحتوى مثيراً ومحط اهتمام، كون العديد من أصدقاء الشخص أو الجمهور في بلده، قد تابع وتفاعل مع هذا المحتوى فيتم اقتراحه للمشاهدة، ويتم تصدره لنتائج البحث على محركات البحث.

انطلاقاً من النقاط السابقة نستطيع القول بأن من يحول دون انتشار المحتوى الهابط وتصدّر التفاهة للمشهد، هم الجمهور، فالاهتمامات اليومية للشعوب هي من تختار المحتوى الرائج، فيسعنا أن نقول “أميتوا السخافة بالسكوت عنها”، وتجاهلها.

خطر هذه الظاهرة

باتت هذه الظاهرة تشكل خطراً على ثقافة المجتمع مع انتشارها الكبير بين الأطفال، وما ستزرعه فيهم من تسطيح التفكير وضحالة الثقافة واستساغة التفاهة، وما سينعكس من ذلك على شخصياتهم مستقبلاً، وبناء عقولهم وأسلوبهم في الحياة الذي سيبتعد عن الجدية بكل شيء، والتعامل مع الأمور بالهزلية والسطحية والابتعاد عن المسؤولية في القضايا التي تهم على المستوى الشخصي أو المجتمعي أو الديني.

مع الوصول لهذا المنحدر لن تكفي البرامج التوعوية، وإنما يجب سن معايير على مستوى المجتمع الالكتروني لمراقبة المحتوى، وقوانين وعقوبات رادعة للشائعات والكذب، والمحتوى المضلل أو التافه.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬245