أطلقت عناصر المفتشية العامة للمالية عملية افتحاص موسعة شملت مصالح المشتريات في عدد من المؤسسات والمقاولات العمومية بكل من الرباط والدار البيضاء، في إطار مهام تفتيش ميدانية دقيقة، عقب التوصل بمعطيات حول وجود تلاعبات محتملة في صفقات عمومية بلغت قيمتها الإجمالية نحو 110 ملايين درهم، أبرمت عبر سندات طلب مشبوهة.
وبحسب مصادر جيدة الاطلاع، فإن المفتشين شرعوا في مراجعة ملفات صفقات أبرمتها مؤسسات عمومية مع شركات في إطار سندات الطلب، حيث أظهرت الوثائق والمستندات وجود شبهات تلاعب في بعض هذه العمليات، التي أسندت إلى شركات محددة رغم تقديم منافسين لعروض أكثر تنافسية، ما عزز شكوك مصالح التفتيش التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية حول وجود تفضيل مقصود لبعض المزودين “المحظوظين”، الذين تكررت أسماؤهم في قوائم المستفيدين.
وأكدت المصادر أن عناصر التفتيش سجلت مؤشرات على استغلال مسؤولين نافذين في مصالح المشتريات وأقسام الصفقات العمومية للمقتضيات القانونية التي تتيح إبرام صفقات عبر سندات الطلب في حدود 500 ألف درهم خلال سنة مالية واحدة، بهدف تمرير عقود لفائدة شركات تربطهم بها علاقات مصالح ومنافع متبادلة. وكشفت تحريات موازية أن بعض هؤلاء المسؤولين الذين يشغلون مناصبهم منذ سنوات طويلة نسجوا علاقات مشبوهة مع مزودين واستعملوا أساليب متعددة لإعادة تدوير الصفقات نفسها بحيث ترسى عليهم في كل مرة.
ووقف المفتشون على إفراط واضح في استعمال سندات الطلب لتسوية ميزانيات مؤسسات وإدارات عمومية منذ سنة 2020، في خرق صريح لمقتضيات المادة 88 من المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية، الذي ينص على ضرورة إخضاع الأعمال المنجزة بسندات الطلب لمنافسة مسبقة وتحديد مواصفاتها بدقة قبل التنفيذ.
كما أظهر التدقيق في سجلات الآمرين بالصرف أن شركات بعينها احتكرت سندات الطلب لسنوات متتالية عبر تنظيم منافسات صورية، دون استشارات كتابية من ثلاثة متنافسين كما يفرض القانون، مع تقديم بيانات أثمان غير مرقمة أو غير مؤرخة.
وتركزت مهام التفتيش، وفق المعطيات ذاتها، على التحقق من مدى احترام المؤسسات العمومية لمقتضيات مرسوم الصفقات العمومية، خاصة ما يتعلق بنشر الإعلانات الخاصة بسندات الطلب في بوابة الصفقات العمومية، واستقبال عروض المتنافسين بشفافية، ومنح السند للعرض الأقل سعرا. وقد كشفت عمليات الافتحاص عن اختلالات جسيمة تمثلت في تمرير صفقات عبر سندات طلب رغم تجاوزها السقف المالي القانوني، بعد لجوء بعض المسؤولين إلى تشطير النفقات على مراحل لتفادي تجاوز الحد الأقصى المحدد في 500 ألف درهم سنويا.
كما توصلت فرق التفتيش إلى معطيات دقيقة حول خروقات في تنفيذ بعض الصفقات، منها غياب اللجان المكلفة بانتقاء المتنافسين، وضعف المراقبة التقنية والإدارية لمطابقة الخدمات للمواصفات المحددة في دفاتر التحملات، ما يشكل خرقا واضحا للقوانين المنظمة للصفقات العمومية، ويحرم المؤسسات العمومية وخزينة الدولة من الاستفادة من أفضل العروض وأجود الخدمات.