تشهد الجماعات الترابية في المغرب تحركاً مركزياً غير مسبوق، تنفيذاً لتوجيهات مباشرة من وزارة الداخلية، بهدف محاصرة ظاهرة “ريع المنازعات القضائية” التي أثقلت كاهل ميزانيات الجماعات بتعويضات ضخمة. وأفادت مصادر عليمة بوجود ضغط مكثف من قبل ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم على رؤساء المجالس الجماعية لإدراج نقط محورية في دورات أكتوبر المقبلة، تهدف إلى المصادقة على اتفاقيات إطار مع محامين ومفوضين قضائيين.
تقارير المفتشية تكشف “التواطؤ والإهمال”
تأتي هذه الخطوة استناداً إلى تقارير خطيرة صادرة عن لجان تفتيش تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية. هذه التقارير لم تقتصر على رصد تفاقم عدد الأحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات والتعويضات الباهظة التي نجمت عنها، بل أشارت أيضاً إلى شبهات تواطؤ داخل المجالس. وتضمنت الملاحظات إشارات إلى استصدار أحكام تعويض لفائدة منتخبين حاليين وسابقين، وإغفال متعمد للمساطر والإجراءات، وإهمال تتبع القضايا الرائجة، ما أدى إلى خسارة الجماعات لتلك النزاعات.
“منازعة” والإستراتيجية الجديدة للوزارة
لمواجهة هذا الوضع، تعتزم وزارة الداخلية محاصرة بؤر التلاعب بملفات الدعاوى المرفوعة ضد الجماعات عبر تفعيل منصة “منازعة” للتدبير اللامادي للنزاعات. وتهدف هذه المنصة إلى تعزيز حكامة التنسيق بين جميع المتدخلين. وتضمنت التوجيهات المركزية حث رؤساء الجماعات على ضرورة الاستعانة بالوكيل القضائي للجماعات الترابية أمام المحاكم، ووضع استراتيجية واضحة لتتبع الملفات القضائية.
بالإضافة إلى ذلك، حذرت الإدارة المركزية رؤساء الجماعات، عبر الولاة والعمال، من الاستمرار في التساهل مع “الهفوات المسطرية وتجاهل الثغرات القانونية”، خاصة عند توقيع رخص أحادية مخالفة لقانون التعمير دون الرجوع إلى الوكالات الحضرية والسلطات المحلية المعنية. ويُشدد مصدر داخلي على أن سلطات الوصاية لن تتساهل مع هذه الممارسات التي تضع الإدارة الجماعية تحت طائلة الأحكام السلبية.
مسؤولية رؤساء المجالس تحت المجهر
يؤكد هذا التحرك على تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن القانون التنظيمي يفرض على رؤساء المجالس الترابية السهر على اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحفظ مصالح الجماعة في إطار المنازعات القضائية. وفي هذا السياق، كشفت تقارير الداخلية عن ملاحظات خطيرة بخصوص قفز رؤساء جماعات على توجيهات وزير الداخلية الواردة في دوريته رقم D/747.
وأشارت التقارير إلى أن بعض المسؤولين الجماعيين تعمدوا عدم إدراج الدعاوى المرفوعة باسم الجماعة أو ضدها ضمن جداول أعمال الدورات والمحاضر المنجزة منذ سنة 2022، وهو ما يعد إخلالاً صريحاً بالواجب القانوني الذي يلزم بإخبار المجالس بهذه الدعاوى في أول دورة تلي رفعها.
إن الضغط الحالي لإبرام اتفاقيات مع أهل الاختصاص وتفعيل أدوات الحكامة الحديثة مثل منصة “منازعة”، يمثل نقطة تحول نحو تأمين الموارد المالية للجماعات وإرساء إدارة محلية أكثر انضباطاً ومسؤولية في مواجهة القضاء وتحديات حماية المال العام.