الاستقلال يتبنى ملف “مافيا العقار” بآيت ملول ويعد بمتابعته سياسيًا

تشهد مدينة آيت ملول تصاعداً حاداً في الجدل الدائر حول ما بات يُعرف بـ “قضية مافيا العقار”، وذلك على خلفية اتهامات خطيرة طالت شركة عقارية بالسطو على أراض كانت مخصصة لبناء مرافق عمومية. شرارة هذا النقاش أطلقها مقال نشرته جريدة “الأخبار” بتاريخ 6 ماي 2025، والذي استند إلى وثائق تكشف، حسب زعم الجريدة، عن تورط شركة متخصصة في العقار في عملية تفويت أراض عمومية باستعمال رخصة استثنائية منتهية الصلاحية.

“الأخبار” تفجر القضية بوثائق “حصرية”

استند مقال “الأخبار” إلى معطيات تشير إلى أن تجزئة المغرب العربي، التي تعتبر من أكبر المشاريع العمرانية في آيت ملول منذ سنة 1992، والتي كان من المفترض أن تضم فيلات ومرافق عمومية متكاملة، قد شهدت تحولاً مثيراً للجدل. فبعد تعثر المشروع لسنوات بسبب نزاع حول جزء من التجزئة يمتد على 3 هكتارات، تم تفويت هذه المساحة لشركة عقارية خاصة.

اللافت، حسب المقال، هو أن الشركة الخاصة قامت بتشييد إقامات سكنية متعددة الطوابق عوض الفيلات والمرافق العمومية التي كانت مبرمجة في التصميم الأصلي. وتؤكد الجريدة أن الأرض موضوع النزاع كانت مسجلة تحت الرسم العقاري رقم 09/82354 باسم شركة العمران سوس ماسة، وكانت مخصصة في الأساس لإنجاز مرافق عمومية ومساحات خضراء، بالإضافة إلى فيلات.

المقال يكشف أيضاً عن لجوء شركة العمران سنة 2013 إلى لجنة الاستثناءات لتحويل الجزء غير المنجز إلى منطقة سكنية اقتصادية واجتماعية (عمارات R+4)، وحصولها على الموافقة سنة 2014. غير أن “الأخبار” تشير إلى أن هذه الرخص الاستثنائية، التي كانت تهدف في الأصل إلى تحفيز الاستثمار، تحولت إلى أداة للتحايل، مما دفع الحكومة إلى إلغائها لاحقاً.

الأكثر إثارة للجدل هو زعم الجريدة بتفويت رخصة الاستثناء لشركة خاصة، وهو ما يعتبر مخالفاً للقانون، بالإضافة إلى تأخر حصول الشركة على رخصة البناء حتى سنة 2022، أي بعد ثماني سنوات من الموافقة الاستثنائية، مما يفقد الأخيرة قيمتها القانونية. كما يشير المقال إلى تفويت جزء من التجزئة لشركة خاصة سنة 2019، وهو الجزء المتبقي الذي كان من المفترض أن يضم مرافق عمومية ومساحات خضراء.

جماعة آيت ملول ترد وتستنكر “المغالطات”

لم تتأخر جماعة آيت ملول في إصدار رد رسمي على مقال “الأخبار”، حيث عبرت عن “استنكارها الشديد” لما ورد فيه، واصفة إياه بـ “مغالطات ومعطيات غير دقيقة”. وأكدت الجماعة على التزامها بالشفافية والتواصل مع الرأي العام، وقدمت توضيحات مفصلة لتصحيح “المعطيات المغلوطة”.

في ردها، أوضحت الجماعة أن موقع العقار موضوع المقال يقع ضمن المنطقة السكنية للاجتماعي حسب تصميم التهيئة لسنة 2010، وأن المشروع يتوافق تماماً مع ضابط تصميم التهيئة المصادق عليه. كما أشارت إلى أن المشروع يتضمن مرافق عمومية هامة تم إنجازها وسيتم تسليمها لفائدة الجماعة، وتمثل أزيد من 60% من المساحة الإجمالية للعقار.

الجماعة أكدت أيضاً على أن المشروع حصل على رأي إيجابي من لجنة المشاريع الكبرى بتاريخ 9 يونيو 2022، مما يعزز مشروعية المشروع ومطابقته للتوجهات العامة للتخطيط العمراني. كما قدمت سرداً زمنياً للتراخيص والإجراءات المتعلقة بالمشروع، مؤكدة على احترام القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

حزب الاستقلال يصعد اللهجة ويطالب بـ “الحقيقة الكاملة”

في المقابل، جاء رد الكاتب المحلي لحزب الاستقلال بآيت ملول هشام باصور مناقضاً تماماً لتوضيحات الجماعة، حيث وصفها بأنها “كل شيء غير الحقيقة”. واستخدم تشبيهاً ساخراً للتقليل من قيمة هذه التوضيحات، وركز بشكل خاص على نقطة الرخصة الاستثنائية الصادرة سنة 2014.

تساءل الكاتب المحلي عن الأساس القانوني لرخصة البناء الصادرة سنة 2022، خاصة إذا كانت تستند إلى الرخصة الاستثنائية الشاملة سنة 2014 من طرف السيد الوالي التي يعتبرها “ملغاة بقوة القانون” بسبب عدم بدء الأشغال في حينه. وطالب رئيس المجلس الجماعي بتقديم “جواب واضح” و”الحقيقة الكاملة خلف هذا الملف” بدلاً مما وصفه بـ “بهرجة لذر الرماد في العيون”.

كما أعلن الكاتب المحلي أن حزب الاستقلال فرع آيت ملول يتبنى هذا الملف بشكل كامل، ويتعاون مع “كل الغيورين على هذه المدينة” لكشف ما وصفه بـ “ما يخفيه هذا الملف”، مؤكداً على أن الحزب سيقوم بكل ما يتوجب عليه كقوة سياسية في هذا الشأن.

برلماني من حزب الاستقلال يُحرك الحكومة بشأن “مافيا العقار” 

لم تقتصر التفاعلات على المستوى المحلي، بل امتدت لتصل إلى قبة البرلمان. فقد وجه البرلماني خالد الشناق، عضو فريق الاستقلال للوحدة والتعادلية، سؤالاً كتابياً مستعجلاً إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، مطالباً بفتح تحقيق شامل في ملف يثير اتهامات بالسطو على أراض مخصصة لمرافق عمومية.

 

تساؤلات مشروعة وتداعيات محتملة

تثير هذه التطورات تساؤلات مشروعة حول شفافية التعامل مع الأراضي العمومية في آيت ملول ومدى احترام القوانين والأنظمة المعمول بها في المشاريع العقارية الكبرى. الاتهامات الواردة في مقال “الأخبار”، والتي تبناها حزب الاستقلال، تتطلب توضيحات شافية ومقنعة من الجهات المعنية، خاصة فيما يتعلق بالرخصة الاستثنائية وتفويت الأراضي وتغيير تخصيصها.

من الواضح أن قضية “مافيا العقار” في آيت ملول لم تنتهِ بردود الفعل الأولية، بل تتجه نحو مزيد من التصعيد والمتابعة السياسية والقانونية المحتملة. الرأي العام المحلي يترقب بشغف الكشف عن “الحقيقة الكاملة” في هذا الملف الذي يمس بشكل مباشر مستقبل التنمية الحضرية وجودة حياة السكان في المدينة. ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستنجح التحركات السياسية في كشف “المستور في بواطن الأمور” كما وعد الكاتب المحلي لحزب الاستقلال؟ الأيام القادمة قد تحمل أجوبة حاسمة.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬318

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *