أحداث شغب في القليعة: هل هو احتقان عابر أم أزمة عميقة؟

شهدت مدينة القليعة، اليوم السبت 16 نونبر 2024، حالة من الفوضى والذعر جراء أعمال شغب نفذها عشرات المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفق المعطيات الأولية، عمد المحتجون إلى قطع الطريق الرابطة بين بيوكرى والقليعة، ما شل حركة المرور، بالإضافة إلى الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، الأمر الذي دفع عدداً من التجار إلى إغلاق محلاتهم خوفاً من تفاقم الوضع.

خلفية الحادث
تُرجح مصادر محلية أن يكون الاحتجاج اندلع إثر تعرض أحد المهاجرين للطعن أتناء دهابه الى عمله، وهو ما أثار استياءهم ودفعهم للتعبير عن غضبهم بهذه الطريقة. الحادث تطور إلى مواجهات استمرت لساعات بين المحتجين والقوات العمومية، التي حضرت إلى المكان بتعزيزات مكثفة لاحتواء الوضع وإعادة النظام.

إصابات وتحقيقات جارية
أسفرت المواجهات عن إصابة عدد من الأشخاص، جرى نقلهم إلى المستشفى الجهوي الحسن الثاني لتلقي الإسعافات اللازمة. وفي الوقت الذي تعمل فيه السلطات الأمنية على تهدئة الأوضاع، تم فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الواقعة وتحديد المسؤوليات، وسط تأكيد على احترام القانون وضمان الأمن لجميع الأطراف.

رئيس جماعة القليعة يوضح التفاصيل
في تعقيبه على الحادث، أوضح محمد بكيز، رئيس جماعة القليعة، أن التفاصيل الحقيقية للواقعة تختلف عما تم تداوله في البداية. وقال: “في أحد “موقف للعاملات و العمال” حيث يعمل عدد من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، تعرض أحدهم للسرقة والضرب . هذه الحادثة أثارت غضب أصدقائه، ولأنهم لم ينتظروا تدخل رجال الدرك، قرروا الاحتجاج في الشارع العام لمدة ثلاث ساعات متتالية”. وأضاف أن “الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، حيث تم فتح الطريق أمام العموم، وتم اعتقال شخصين مشتبه فيهما يعتقد أنهما من ارتكبا جريمة السرقة”.

وأكد بكيز أن التوترات لم تقتصر على المهاجرين فقط، بل شملت أيضاً مشاجرات مع شباب مغاربة لم يعجبهم إغلاق الطريق من قبل المهاجرين. وقال: “وقعت مشاجرات داخل الأحياء، إلا أن الأجهزة الأمنية المختصة تدخلت لفضها”. وطمأن المواطنين قائلاً: “الأمور الآن عادية، والناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي كما اعتادوا”.

ظاهرة إجرامية ليست استثنائية
من الجدير بالذكر أن مدينة القليعة، كغيرها من المناطق الحضرية، تشهد بين الحين والآخر حوادث اعتداء بالسلاح الأبيض وحالات سرقة، ما يجعل الحادث الذي تعرض له المواطن الإفريقي أمراً غير استثنائي، ويمكن أن يتعرض له أي مواطن مغربي أو مقيم. هذه الظاهرة تعكس تحديات أمنية تحتاج إلى معالجة جذرية من خلال تعزيز الدور الأمني ونشر الوعي المجتمعي.

دعوات للتهدئة والتعايش
أشارت جمعيات حقوقية وجمعوية إلى أن مثل هذه الأحداث، رغم خطورتها، لا تعكس الصورة العامة للمهاجرين المقيمين في المغرب. وأكدت هذه الهيئات أن المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يعيشون ويعملون بالمغرب، نادراً ما ينخرطون في أعمال شغب، بل غالباً ما يظهرون التزاماً بالقوانين واحتراماً للنظام العام. ودعت الجمعيات إلى عدم التعميم والحفاظ على روح التعايش بين الجميع.

رؤية ملكية شاملة لقضية المهاجرين
يأتي هذا الحادث في سياق التحديات التي تواجهها المملكة في ملف الهجرة. وقد أكد الملك محمد السادس، في مناسبات سابقة، على ضرورة التعامل مع قضية المهاجرين بطريقة شاملة وإنسانية، مع الالتزام بالقوانين الدولية. ففي سنة 2013، اطلع الملك على تقرير موضوعاتي حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي أبرز أن المغرب كان دوماً أرضاً للهجرة بفضل علاقاته التاريخية مع الدول الإفريقية.

التقرير سلط الضوء على الإطار القانوني الذي يكفل حقوق المهاجرين في المغرب، بما في ذلك مبدأ عدم التمييز، وحق اللجوء، والمساواة في الحقوق بين المغاربة والأجانب. كما دعا إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، وتحديث السياسات الوطنية لتحقيق التوازن بين حقوق المهاجرين ومتطلبات الأمن والتنمية.

نحو معالجة شاملة
يعكس هذا الحادث أهمية تطوير آليات الحوار والاندماج، وتعزيز سياسات اجتماعية واقتصادية تساهم في تخفيف التوترات. كما يبرز الحاجة إلى دعم التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق مقاربة أكثر توازناً لقضية الهجرة في المغرب، الذي يعد بوابة أفريقيا نحو أوروبا.

المغرب، بتاريخه العريق كأرض للتعايش والانفتاح، يظل أمام تحدي بناء مجتمع يحتضن الجميع، مع احترام القوانين وحفظ الأمن.

 

A.Boutbaoucht

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬204

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *